كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


سبق عن العارف ابن عربي ما يفيد أن المراد بالقبضتين هنا سر الكمال الذاتي الذي إذا انكشف إلى الأبصار يوم القيامة يختلف أبصار الكافر فيرمى به في النار والمؤمن فيدخله الجنة فالقبضتان متحد معناهما مثنى لفظهما وبسرهما خلقت الجنة والنار والمنور والمظلم والمنعم والمنتقم وعلى ذلك المنوال قال‏:‏ ‏{‏والأرض جميعا قبضته‏}‏ عرفنا من وضع اللسان أن يقال فلان في قبضتي يريد تحت حكمي وإن كان لا شيء منه في يديه البتة لكن أمره فيه ماض وحكمه عليه قاض كحكمه على ما ملكته يده حساً وقبضت عليه فلما استحالت الجارحة عليه تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو ملك ما قبضت عليه حالاً ‏(‏فقبضة في النار وقبضة في الجنة‏)‏ أي أنه سبحانه وتعالى قبض قبضة وقال هذه إلى النار ولا أبالي وقبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي فالعبرة إنما هو بسابق القضاء الإلهي الذي لا يقبل تغييراً ولا تبديلاً ولا يناقضه خبر إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة غيب عنا والخاتمة ظاهرة لنا فنيطت الأعمال بها بالنسبة إلينا ومع ذلك فيتعين العمل لآية ‏{‏فأما من أعطى واتقى‏}‏ ولا يغتر بإيحاء النفس والشيطان أنه لا عبرة بالعمل بل بالسابقة أو الخاتمة فإنه تمويه وإضلال وغفلة عن وضع الأسباب للمسببات‏.‏

- ‏(‏حم طب عن معاذ‏)‏ بن جبل‏.‏

2606 - ‏(‏إنما هما اثنتان الكلام والهدى‏)‏ أي السيرة والطريق ‏(‏فأحسن الكلام‏)‏ مطلقاً ‏(‏كلام اللّه‏)‏ المنزل على رسله في الكتب العلية الشأن وأعظمها الكتب الأربعة ‏(‏وأحسن الهدي هدي محمد‏)‏ النبي الأمي أي سيرته وطريقته ‏(‏ألا‏)‏ قال الحرالي‏:‏ استفتاح وتنبيه وجمع للقلوب للسماع ‏(‏وإياكم ومحدثات الأمور‏)‏ أي احذروها وهي ما أحدث على غير قواعد الشرع كما سبق ‏(‏فإن شر الأمور محدثاتها‏)‏ التي هي كذلك ‏(‏وكل محدثة‏)‏ أي خصلة محدثة ‏(‏بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد‏)‏ بدال مهملة كذا هو بخط المصنف فمن جعلها براء فقد حرف ‏(‏فتقسو قلوبكم‏)‏ ‏{‏ولا تكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم‏}‏ ومن ثم قال الحكيم‏:‏ بطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقل الذنوب وما أنصف من نفسه من أيقن بالحشر والحساب وزهد في الأجر والثواب وقال الغزالي‏:‏ إذا أملت ‏[‏ص 6‏]‏ العيش الطويل شغل قلبك وضاع وقتك وكثر همك وغمك بلا فائدة ولا طائل ومن طال أمله لا يذكر الموت فمن لم يذكره فمن أين لقلبه الحرقة فإذا طوّلت أملك قلت طاعتك فإنك تقول سوف أفعل والأيام بين يدي وتأخرت توبتك واشتد حرصك وقسى قلبك وعظمت غفلتك عن الآخرة وذهبت والعياذ باللّه آخرتك ‏(‏ألا إن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت‏)‏ فكأنكم بالموت وقد حل بكم والساعة أدهى وأمر قال الطائي‏:‏ من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن طال أمله ساء عمله وقال يحيى بن معاذ‏:‏ الأمل قاطع عن كل خير والطمع مانع من كل حق والصبر صائر إلى كل ظفر والنفس داعية إلى كل شر ومن ثمرات طول الأمل ترك الطاعة والتكاسل فيها وترك التوبة وتسويفها والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة مخافة الفقر والنسيان للآخرة ‏(‏ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه‏)‏ أي من قدر اللّه عليه في أصل خلقته كونه شقياً فشقي حقيقة لا من عرض له الشقاء بعد وهو إشارة لشقاء الآخرة لا الدنيا ‏(‏والسعيد من وعظ بغيره ألا إن قتال المؤمن كفر‏)‏ أي يؤدي إلى الكفر لشؤمه أو كفعل الكفار أو إن استحل والمراد كفر النعمة لا الجحود ‏(‏وسبابه فسوق‏)‏ أي سبه وشتمه خروج عن طاعة اللّه ‏(‏ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه‏)‏ في الإسلام ‏(‏فوق ثلاث‏)‏ من الأيام إلا لمصلحة دينية كما دلت عليه أخبار وآثار ‏(‏ألا وإياكم والكذب‏)‏ أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع ‏(‏فإن الكذب لا يصلح لا بالجد ولا بالهزل‏)‏ حيث كان لغير مصلحة شرعية كإصلاح بين الناس والكذب لغير ذلك جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه لأنه نتيجة النميمة والنميمة نتيجة البغضاء تؤول إلى العداوة وليس مع العداوة أمن ولا راحة ‏(‏ولا يعد الرجل صبيه‏)‏ يعني طفله ذكراً أو أنثى فتخصيص الصبي غالبي ‏(‏فلا يفي له‏)‏ بل ينبغي أن يقف عند قوله عند وعده لولده ‏{‏كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون‏}‏ وقوله فلا - بالفاء - هو ما رأيته في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أره ذكره بالفاء ‏(‏وإن الكذب يهدي إلى الفجور‏)‏ أي يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي ‏(‏وإن الفجور يهدي إلى النار‏)‏ أي إلى دخول نار جهنم ‏(‏وإن الصدق‏)‏ أي قول الحق ‏(‏يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة‏)‏ يعني أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذمّة وذلك سبب لدخول الجنة بفضل اللّه ‏(‏وإنه يقال‏)‏ أي بين الملأ الأعلى ويكتب في اللوح أو في الصحف أو على ألسنة الخلق بإلهام من اللّه تعالى ‏(‏للصادق صدق وبر‏)‏ في أقواله ‏(‏ويقال للكاذب كذب وفجر‏)‏ فيصير ذلك كالعلم عليه وذلك يحمل من له أدنى عقل على الرغبة في الأول والتحرز عن التساهل في الثاني ‏(‏ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند اللّه كذاباً‏)‏ أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه والمراد أن دواعي الكذب قد ترادفت فيه حتى ألفها فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه فطامه وحينئذ يكتب عند اللّه كذاباً، وكرر حرف التنبيه زيادة في تقريع القلوب بهذه المواعظ وأن كل كلمة من هذه الكلمات حقيقة بأن يتنبه المخاطب بها ويلقي لها سمعاً واعياً وقلباً مراعياً‏.‏

- ‏(‏ه عن ابن مسعود‏)‏ قال الزين العراقي إسناده جيد‏.‏

‏[‏ص 7‏]‏ 2607 - ‏(‏إنما يبعث الناس‏)‏ من قبورهم ‏(‏على نياتهم‏)‏ فمن مات على شيء بعث عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏.‏ فيه أن الأمور بمقاصدها وهي قاعدة عظيمة مفرع عليها من الأحكام ما لا يخفى وفي رواية إنما يحشر الناس على نياتهم وفي رواية لابن ماجه أيضاً بدون إنما‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ قال المنذري إسناده حسن وقال الزين العراقي إسناد أحد روايتي ابن ماجه حسن‏.‏

2608 - ‏(‏إنما يبعث المقتتلون على النيات‏)‏ أي إنما يؤتون يوم القيامة على نياتهم أي قصودهم التي كانوا عليها في الدنيا فيجازون على طبقها وتجري أعمالهم على حكمها قال الغزالي‏:‏ فمن عزم ليلاً على أن يصبح ويقتل مسلماً أو يزني بإمرأة فمات تلك الليلة مات مصراً ويحشر على نيته وقد همَّ بسيئة ولم يعملها فكيف يظن أن اللّه لا يؤاخذ بالنية والهم‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه عمرو بن شمر قال في الميزان عن الجوزجاني كذاب وعن ابن حبان رافضي يروي الموضوعات وعن البخاري منكر الحديث ثم ساق له مناكير هذا منها وعمرو هذا واه وجابر الجعفي قد ضعفوه وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه أبو يعلى والطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي‏:‏ وفيه جابر الجعفي ضعيف وقال الحافظ‏:‏ رواه ابن أبي الدنيا باللفظ المزبور عن ابن عمر رضي اللّه عنه وسنده ضعيف ورويناه في فوائد تمام باللفظ إنما يبعث المسلمون على النيات وفيه ليث بن أبي سليم وفيه خلف‏.‏

2609 - ‏(‏إنما يسلط اللّه تعالى على ابن آدم من يخافه ابن آدم ولو أن ابن آدم يخف غير اللّه لم يسلط اللّه عليه أحداً‏)‏ من خلقه فيؤذيه ‏(‏وإنما وكل‏)‏ بالبناء للمفعول والتخفيف أي إنما فوض ‏(‏ابن آدم‏)‏ أي أمره ‏(‏لمن رجا ابن آدم‏)‏ أي لمن أمل منه حصول نفع أو ضر ‏(‏ولو أن ابن آدم لم يرج إلا اللّه‏)‏ أي لم يؤمل نفعاً ولا ضراً إلا منه ‏(‏لم يكله اللّه إلى غيره‏)‏ لكنه تردد وشك فأحس بالمكروه فإنه إذا شك انتفخت الرئة للجبن الذي حل بها وضاق الصدر حتى زجزج القلب عن محله فلما ضاق على القلب محله ضاق محله التدبير وهو الصدر فحصل الاضطراب والقلق والخوف ولو أشرق عليه نور اليقين لما تزحزح ولما زاد عند عروض المخوف إلا ثباتاً واتساعاً لكمال وثوقه بربه وجزمه بأن النفع والضرر ليس إلا منه لا من الأسباب فافهم‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وسببه أنه مر في سفر بجمع على طريق فقال‏:‏ ما شأنكم‏.‏ قالوا‏:‏ أسد قطع الطريق فنزل فأخذ بأذنه فنحاه عن الطريق ثم قال‏:‏ ما كذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ إنما يسلط فذكره ‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ أوحى اللّه إلى داود عليه السلام ابن لي بيتا يعني بيت المقدس فكلما بناه تهدم فأوحى اللّه إليه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال‏:‏ ما كان إلا في سبيلك فقال‏:‏ صدقت ومع هذا أليسوا عبيدي وإنه يقوم على يد ولدك سليمان فكان‏.‏

2610 - ‏(‏إنما يدخل الجنة من يرجوها‏)‏ لأن من لم يرجها قانط من رحمة اللّه والمقنط جاهل باللّه وجهله به يبعده عن دار ‏[‏ص 8‏]‏ كرامته ولا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون ‏(‏وإنما يجنب النار من يخافها‏)‏ أي يخاف أن يعذبه ربه بها واللّه سبحانه وتعالى عند ظن عبده به ‏(‏وإنما يرحم اللّه من يرحم‏)‏ أي يرق قلبه على غيره لأن الجزاء من جنس العمل فمن لا يرحم لا يرحم‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال العلائي‏:‏ إسناده حسن على شرط مسلم وأقول هذا غير مقبول ففيه سويد بن سعيد فإن كان الهروي فقد قال الذهبي‏:‏ قال أحمد متروك وقال البخاري‏:‏ عمي فلقي فتلقن وقال النسائي‏:‏ غير ثقة وإن كان الدقاق فمنكر الحديث كما في الضعفاء للذهبي‏.‏

2611 - ‏(‏إنما يخرج الدجال‏)‏ من دجل البعير طلاه بالقطران طلياً كثيفاً سمي به لستره الحق بباطله أو من دجل الشيء طلاه بالذهب موهه به لتمويهه على الناس أو من دجل في الأرض إذا ضرب فيها لكونه يطوفها كلها في أمد قليل أو من الدجل وهو الكذب وهو أعور كذاب ‏(‏من غضبة‏)‏ أي لأجل غضبة يتحلل بها سلاسله ‏(‏يغضبها‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قيل يغضبها في محل صفة غضبة والضمير للغضبة وهو في محل نصب على المصدر أي أنه يغضب غضبة فيخرج بسبب غضبه والقصد الإشعار بشدة غضبه حيث أوقع خروجه على الغضبة وهي المرة من الغضب ويحتمل جعله مفعولاً مطلقاً على رأي من يجوز كونه ضميراً‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الفتن ‏(‏عن حفصة‏)‏ بنت عمر استشهد عنها خنيس بن حذافة السهمي يوم أحد ماتت سنة إحدى وأربعين أو غيرها ولم يخرجه البخاري‏.‏

2612 - ‏(‏إنما يرحم اللّه من‏)‏ بيانية ‏(‏عباده الرحماء‏)‏ بالنصب على أن ما في إنما كافة وبالرفع على أنها موصولة والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة وقضيته أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة الكاملة بخلاف من فيه رحمة ما‏.‏ لكن قضية خبر أبي داود الراحمون يرحمهم اللّه شموله ورجحه البعض وإنما بولغ في الأول لأن ذكر لفظ الجلالة فيه دال على العظمة فناسب فيه التعظيم والمبالغة‏.‏

ذكر بعض العارفين من مشائخنا أن حجة الإسلام الغزالي رؤي في النوم فسئل ما فعل اللّه به فقال‏:‏ أوقفني بين يديه وقال‏:‏ بماذا جئت فذكرت أنواعاً من العبادات فقال‏:‏ ما قبلت منها شيئاً ولكن غفرت لك هل تدري بماذا‏؟‏ جلست تكتب يوماً فسقطت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك‏.‏

- ‏(‏طب عن جرير‏)‏ بن عبد اللّه وعزوه للطبراني كالصريح في أنه لم يره في شيء من الكتب الستة وهو غفول قبيح فقد عزاه هو نفسه في الدرر للشيخين معاً من رواية حديث أسامة بن زيد وهو في كتاب الجنائز من البخاري ولفظه عن أسامة بن زيد قال‏:‏ أرسلت بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم تقول‏:‏ إن ابني قد احتضر فاشهدنا فأرسل يقرئ السلام ويقول‏:‏ إن للّه ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع إليهم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه فقال سعد‏:‏ يا رسول اللّه ما هذا قال‏:‏ هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده إنما يرحم اللّه من عباده الرحماء‏.‏

2613 - ‏(‏إنما يعرف الفضل لأهل الفضل‏)‏ لفظ رواية الخطيب ذو الفضل أي العلم والعمل لأن فضل العلم إنما يعرف بالعلم فلما عدم الجهال العلم الذي به يتوصلون إلى معرفته جهلوا فضله واسترذلوا أهله وتوهموا أن ما تميل إليه نفوسهم من الأموال المقتنيات والطرف المشتهيات أولى أن يكون إقبالهم عليها وأحرى أن يكون إشتغالهم بها قال ابن المعتز‏:‏ العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً ولذلك انصرف الجهال عن العلم وأهله انصراف الزاهدين وانحرفوا عنه وعنهم الخراف المعاندين فإن من جهل شيئاً عاداه والناقص لعدم الفضل لعجزه عن بلوغ فضلهم يريد ردهم إلى درجة نقصه لعزته بنفسه ذكره الماوردي وقال الإمام الرازي‏:‏ ما لم يكن الإنسان أعلم من غيره لا يمكن معرفته قدره فلا يقدر ‏[‏ص 9‏]‏ على التمييز بين رجلين إلا أعلم منهما لأنه لا بد أن يعرف مقدار معلومات كل ومقدار ما به زاد أحدهما على الآخر ونقص منه وهذا لا يتيسر إلا لأعلم من كل منهما وإذا لم يمكن الناقص أن يحيط بما هو أكمل منه في العرف الشاهد فكيف يمكن العقول الناقصة الإحاطة بجلال من جلاله غير متناه قال الماوردي‏:‏ فيه أن الطالب إذا أحس من نفسه قوة لفرط ذكائه وحدة خاطره يعرف لمعلمه فضله ولا يظهر له الاستكفاء منه ولا الاستغناء عنه فإن في ذلك كفراً بنعمته واستخفافاً بحقه لكن لا يبعثه معرفة الحق له على التقليد فيما أخذ عنه فربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل وأن اعتقاده حجة وإن لم يحتج فيفضي بهم الأمر إلى التسليم له فيما أخذوا عنه ويؤول به ذلك إلى التقصير فيما يصدر منه لأنه يجتهد بحسب اجتهاد من يأخذ عنه فلا يبعد أن تبطل تلك المقالة إن انفردت أو يخرج أهلها عن عداد العلماء فيما شاركت لأنه قد لا يرى لهم من يأخذ عنهم ما كانوا يرونه لمن أخذوا عنه فيطالبوهم بما قصروا فيه فيضعفوا عن إبانته ويعجزوا عن نصرته فيذهبوا ضائعين ويصيروا عجزة مضعوفين اهـ‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة أبي ظاهر الأنباري ‏(‏عن أنس‏)‏ قال‏:‏ بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمسجد إذ أقبل عليَّ فسلم ثم وقف ينتظر موضعاً يجلس فيه وكان أبو بكر عن يمينه فتزحزح له عن مجلسه وقال‏:‏ ههنا يا أبا الحسن فجلس بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أبي بكر فعرف السرور في وجه النبي صلى اللّه عليه وسلم فذكره وقضية تصرف المصنف أن الخطيب خرجه وسكت عليه وهو تلبيس فاحش فإنه أورده في ترجمة جعفر الدقاق الحافظ من روايته عنه ثم تعقبه بأن أبا زرعة ذكر عن الجرجاني أنه قال‏:‏ هو ليس بمرضي في الحديث ولا في كتبه كان فاسقاً كذاباً هذه عبارته فاقتصار المصنف على عزوه إليه وسكوته عما أعله به غير صواب ثم إن فيه أيضاً محمد بن زكريا الغلابي قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ قال الدارقطني‏:‏ يضع الحديث وقال ابن الجوزي‏:‏ موضوع فإن الغلابي يضع ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخ دمشق ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم جالساً مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر فأقبل العباس فأوسع له فجلس بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبين أبي بكر فذكره قال السخاوي‏:‏ وهما ضعيفان ومعناه صحيح ولا يخدشه إجماع أهل السنة على تفضيل أبي بكر انتهى‏.‏

2614 - ‏(‏إنما يغسل من بول الأنثى وينضح‏)‏ أي يرش بالماء حتى يعم موضع البول وإن لم يسل ‏(‏من بول الذكر‏)‏ أي الصبي الذي لم يتناول غير لبن للتغذي ولم يجاوز حولين ومثل الأنثى الخنثى وفارق الذكر بغلبة الإبتلاء بحمله دونهما أما إذا أكل غير لبن للتغذي أو جاوز حولين فيتعين الغسل وبهذا كله أخذ الشافعي وفيه نجاسة بول الطفل قال النووي‏:‏ وما حكاه عياض عن الشافعي أنه طاهر فينضح باطل والإكتفاء بالنضح هو مذهب الشافعي كما تقرر وقال أبو حنيفة ومالك يغسل كغيره والحديث حجة عليهما‏.‏

- ‏(‏حم د ه ك عن أم الفضل‏)‏ بنت الحارث امرأة العباس لبابة قالت‏:‏ كان الحسن في حجر النبي صلى اللّه عليه وسلم فبال فقلت‏:‏ أعطني إزارك أغسله فذكره وسكت عليه أبو داود وأقره المنذري وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر في تخريج المختصر حديث حسن وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالطفل وندب حمله‏.‏

2615 - ‏(‏إنما يقيم‏)‏ للصلاة ‏(‏من‏)‏ أي المؤذن الذي ‏(‏أذن‏)‏ لها يعني هو أولى بالإقامة من غيره لأن ذلك حتم كما تعيده روايات أخر‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال‏:‏ كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فطلب بلالاً ليؤذن فلم يوجد فأمر رجلاً فأذن فجاء بلال فأراد أن يقيم فذكره قال الهيثمي‏:‏ فيه سعد بن راشد السماك ضعيف‏.‏

‏[‏ص 10‏]‏ 2616 - ‏(‏إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا‏)‏ أي مدة كونه فيها ‏(‏مثل زاد الراكب‏)‏ هو ما يوصل لمقصده بقدر الحاجة من غير فضلة في مأكله ومشربه وما يقيه الحر والبرد وهذا إرشاد إلى الزهد في الدنيا والاقتصار فيها على قدر الحاجة فإن التوسع فيها وإن كان قد يعين على المقاصد الأخروية لكن النعم الدنيوية قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله استكثار بقصد صرف الفاضل إلى ما يوصل إلى منازل الأبرار وإلا فالبعد البعد والفرار والفرار عن مظان الأخطار‏.‏

- ‏(‏طب هب‏)‏ وكذا أبو يعلى من حديث يحيى بن جعدة ‏(‏عن خباب‏)‏ بمعجمة وموحدتين أولهما مشددة قال يحيى‏:‏ عاد خباباً ناس من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ أبشر أبا عبد اللّه ترد على محمد صلى اللّه عليه وسلم الحوض فقال‏:‏ كيف بهذا وأشار إلى أعلى البيت وأسفله وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فذكره قال المنذري‏:‏ إسناده جيد وقال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة‏.‏

2617 - ‏(‏إنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل اللّه‏)‏ وما عدا ذلك فهو معدود عند أهل الحق من السرف وتركه عين الشرف وصرف النفس عن شهواتها حتى الحلال هو حقيقة تزكيتها وقتلها إضناؤها إنما هو إحياؤها وإطلاقها ترتع في شهواتها هو إرداؤها ‏{‏قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها‏}‏ والنفس مطية يقويها اضناؤها ويضعفها استمتاعها فعلى المؤمن رفع يده عما زاد على الكفاف وتخليته لذوي الحاجة ليتخذوه معاشاً‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏ن‏)‏ في الزينة ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي عتبة‏)‏ بضم المهملة وسكون المثناة فوق بن ربيعة بن عبد شمس القرشي بن خالد أو شيبة أو هاشم أو هشام أو هشيم صحابي صغير من مسلمة الفتح مرض فجاء معاوية يعوده فقال‏:‏ يا خالي ما يبكيك أوجع يعتريك أي يقلقك قال‏:‏ كلا ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد إليَّ عهداً لم آخذ به فذكره‏.‏

2618 - ‏(‏إنما يلبس الحرير في الدنيا‏)‏ لفظ عربي يسمى به لخلوصه إذ يقال لكل أمر خالص محرر وقيل فارسي معرب ‏(‏من‏)‏ أي مكلف وكلمة من هذه تدل على العموم فتشمل الإناث لكنه مخصوص بالرجال بأدلة خارجية ‏(‏لا خلاق‏)‏ أي نصيب ‏(‏له في الآخرة‏)‏ يعني من لاحظ ولا نصيب له من لبس الحرير في الآخرة فعدم نصيبه كناية عن عدم دخوله الجنة ‏{‏ولباسهم فيها حرير‏}‏ وهذا إن استحل وإلا فهو تهويل وزجر‏.‏ قال الكرماني‏:‏ وربما يتوهم أن فيه دليلاً لحل لبسه للكافر وهو باطل إذ ليس في الحديث الإذن له في لبسه وهو مخاطب بالفروع فيحرم عليه كالمسلم قال الحرالي‏:‏ والخلاق الحظ اللائق بالخلق والخلق وقال الراغب‏:‏ الخلاق ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه وقال الزمخشري‏:‏ الخلاق النصيب وهو كمال خلق الإنسان أي ما قدر له من خير كما قيل له قسم لأنه قسم ونصيب لأنه نصب أي أثبت اهـ‏.‏

- ‏(‏حم ق د ن ه‏)‏ عن عبد اللّه بن عمر عن أبيه ‏(‏عمر‏)‏ بن الخطاب حدث عبد اللّه أن أباه رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال عمر‏:‏ يا رسول اللّه لولا اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدم عليك فذكره‏.‏

2619 - ‏(‏إنما يلبس علينا صلاتنا‏)‏ أي إنما يخلط علينا فيها واللبس الخلط والإشكال ‏(‏قوم يحضرون الصلاة بغير طهور‏)‏ أي احتياط في الطهارة عند الحدثين بأن يغفلوا عن ما يطلب تعهده أو يتساهلوا فيما ينبغي التحري فيه منها ‏(‏من شهد الصلاة‏)‏ أي حضرها معنا ‏(‏فليحسن الطهور‏)‏ بالمحافظة على شروطه وواجباته وآدابه لئلا يعود شؤمه ‏[‏ص 11‏]‏ على المصلين معه فيجد الشيطان للتلبيس عليهم سبيلاً سهلاً بواسطته‏.‏

- ‏(‏حم ش‏)‏ أبو بكر ‏(‏عن أبي روح الكلاعي‏)‏ قال‏:‏ صلى المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فلما انصرف ذكره وأبو الروح هذا هو شيب بن ذي الكلاع بفتح الكاف وخفة اللام وعين مهملة روى عنه عبد الملك بن عمير قال الذهبي‏:‏ وله صحبة قال أبو روح‏:‏ صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأصحابه فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال‏:‏ إنما إلخ‏.‏

2620 - ‏(‏إنما ينصر اللّه هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم‏)‏ أي طلب ضعفائها من اللّه تعالى النصر والظفر لهذه العصابة الإسلامية ‏(‏وصلاتهم وإخلاصهم‏)‏ أي في جميع أعمالهم‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ والنصر الإغاثة والإظهار على العدو ومنه نصر اللّه الأرض أغاثها‏.‏

- ‏(‏ن‏)‏ من حديث مصعب بن سعد ‏(‏عن سعد‏)‏ بن أبي وقاص رأى سعد أن له فضلاً على من دونه فقال صلى اللّه عليه وسلم ذلك وهكذا رواه الطبراني وأبو نعيم والديلمي قال مصعب‏.‏

2621 - ‏(‏إنه ليغان‏)‏ بغين معجمة من العين وهو الغطاء ‏(‏على قلبي‏)‏ الجار والمجرور نائب عن الفاعل ليغان أي ليغشى على قلبي وقال الطيبي‏:‏ إسم إن ضمير الشأن والجملة بعده خبر له أو مفسرة والفعل مسند إلى الظرف ومحله الرفع بالفاعلية ‏(‏وإني لأستغفر اللّه‏)‏ أي أطلب منه الغفر أي الستر ‏(‏في اليوم‏)‏ الواحد من الأيام ولم يرد يوماً معيناً ‏(‏مئة مرة‏)‏ قال العارف الشاذلي‏:‏ هذا غين أنوار لا غين أغيار لأنه كان دائم الترقي فكلما توالت أنوار المعارف على قلبه ارتقى إلى رتبة أعلى منها فيعد ما قبلها كالذنب اهـ أي فليس ذلك الغين غين حجاب ولا غفلة كما وهم وإنما كان تستغرقه أنوار التجليات فيغيب بذلك الحضور ثم يسأل اللّه المغفرة أي ستر ما له عليه لأن الخواص لو دام لهم التجلي لتلاشوا عند سلطان الحقيقة فالستر لهم رحمة وللعامة حجاب ونقمة ومن كلمات السهروردي‏:‏ لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بل كمال أو تتمة كمال وهذا السر دقيق لا ينكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر وإن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما يقع به إن يكون ناوياً فإن القصد من خلق العين إدراك الحسيات وذلك لا يمكن إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات عند قوم وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدة عند آخرين فكيفما ما كان لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين وعرائها عما يمنع انبعاث الأشعة عنها لكن لما كان الهوى المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الغبار الثائر تحركه الرياح فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف تأذت به فتغطت بالجفون وقاية لها ومصقلة للحدقة فيدوم جلاؤها فالجفن وإن كان نقصاً ظاهراً فهو كمال حقيقة فلهذا لم تزل بصيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم متعرضة لأن تصدأ بالغبار الثائر من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقة بصيرته ستراً لها ووقاية وصقالاً عن تلك الأغيرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها فصح أن الغين وإن كان نقصاً فمعناه كمال وصقال حقيقة انتهى وهنا تأويلات بعيدة وتوجيهات غير سديدة وحسبك بهذا وأراد بالمئة التكثير فلا تدافع بينه وبين رواية السبعين الآتية وقال الحرالي‏:‏ خص المئة لكمالها في العدد المثلث من الآحاد والعشرات وعشرها وتر الشفع لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرار له يجزئ عنه الثلاث‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الدعوات ‏(‏د ه‏)‏ في الصلاة ‏(‏ن‏)‏ في يوم وليلة ‏(‏عن الأغر‏)‏ بفتح الهمزة والمعجمة بن عبد اللّه ‏(‏المزني‏)‏ بضم الميم وفتح الزاي وقيل الجهني ومنهم من قرن بينهما قال البخاري‏:‏ المزني أصح صحابي يروي عن معاوية بن قرة‏.‏

‏[‏ص 12‏]‏ 2622 - ‏(‏إنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏من لم يسأل اللّه تعالى‏)‏ أي يطلب من فضله ‏(‏يغضب عليه‏)‏ لأنه إما قانط وإما متكبر وكل واحد من الأمرين موجب الغضب قال بعض المفسرين في قوله تعالى ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي‏}‏ أي عن دعائي فهو سبحانه يحب أن يسأل وأن يلح عليه ومن لم يسأله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه قال ابن القيم‏:‏ هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه والدعاء عبادة وقد قال تعالى ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ فهو تعالى يغضب على من لم يسأله كما أن الآدمي يغضب على من يسأله‏.‏

اللّه يغضب إن تركت سؤاله * وبنيّ آدم حين يسأل يغضب

فشتان ما بين هذين وسحقاً لمن علق بالأثر وأبعد عن العين قال الحليمي‏:‏ وإذا كان هكذا فما ينبغي لأحد أن يخلى يوماً وليلة من الدعاء لأن الزمن يوم وليلة وما وراءهما تكرار فإذا كان ترك الدعاء أصلاً يوجب الغضب فأدنى ما في تركه يوم وليلة أن يكون مكروهاً‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي هريرة‏)‏ وخرجه عنه أيضاً أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي والخوزي مختلف فيه ضعفه ابن معين وقواه أبو زرعة وظن ابن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه وليس كما قال فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما ذكر ذكره كله الحافظ ابن حجر‏.‏

2623 - ‏(‏إني أوعك‏)‏ أي يأخذني الوعك بسكون العين أي شدة الحمى وسورتها أو ألمها والرعدة فيها ‏(‏كما يوعك رجلان منكم‏)‏ لمضاعفة الأجر وكذا سائر الأنبياء كما ذكره القضاعي وتمام الحديث قيل‏:‏ يا رسول اللّه وذاك لأن لك أجرين قال‏:‏ أجل‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الأدب ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ ظاهره أن هذا مما تفرد به مسلم عن البخاري والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في الطب من حديث ابن مسعود ولفظه دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يوعك فقلت‏:‏ إنك لتوعك وعكاً شديداً فقال‏:‏ أجل لأني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت‏:‏ ذلك أن لك أجرين قال‏:‏ أجل ذلك كذلك ما من مؤمن يصيبه أذى من شوكة فما فوقها إلا كفر اللّه بها سيئاته كما تحط الشجرة أوراقها‏.‏

2624 - ‏(‏إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر‏)‏ بن الخطاب لمهابته كما سبق موضحاً وهذا قاله وقد رأى حبشية تزفن والناس حولها إذ طلع عمر فانفضوا عنها مهابة له وخوفاً منه فتلك المرأة شيطان الإنسان لأنها تفعل فعل الشيطان‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في المناقب ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت‏:‏ سمعنا لغطاً وصوت صبيان فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا حبشية تزفن فقال‏:‏ يا عائشة تعالي فانظري فجئت فوضعت لحيي على منكبه أنظر إليها فقال‏:‏ أما شبعت فأقول‏:‏ لا إذ طلع عمر فانفض الناس فذكره قال الترمذي‏:‏ صحيح غريب من هذا الوجه انتهى وفيه زيد بن الحباب قال في الكاشف لم يكن به بأس وقد يهم‏.‏

2625 - ‏(‏إني فيما لم يوح إلي‏)‏ بالبناء للمفعول ويصح للفاعل ‏(‏كأحدكم‏)‏ فإني بشر لا أعلم إلا ما علمني ربي واعلم أنه كان للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم أحوال فتارة تؤخذ عنه فيقول‏:‏ لست كأحدكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني أي طعام بر وإنعام ومحبة وإكرام وتارة ترد عليه فيقول‏:‏ إني كأحدكم وتارة تستغرقه نور المشاهدات الربانية فيقول‏:‏ لي وقت ‏[‏ص 13‏]‏ لا يسعني فيه غير ربي وتارة تختطفه الجذبات القريبة فيقول‏:‏ ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وبذلك يعرف أنه لا تناقض بين ما هو من هذا القبيل من الأخبار فتدبر‏.‏

- ‏(‏طب وابن شاهين في‏)‏ كتاب ‏(‏السنة عن معاذ‏)‏ بن جبل قال‏:‏ لما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يبرحني إلى اليمن استشار أصحابه فقال أبو بكر‏:‏ لولا أنك استشرتنا ما تكلمنا فذكره قال الهيثمي‏:‏ وفيه أبو العطوف ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف‏.‏

2626 - ‏(‏إني لم أبعث لعاناً‏)‏ أي مبالغاً في اللعن أي الإبعاد عن الرحمة والمراد نفي أصل الفعل على وزان ‏{‏وما ربك بظلام‏}‏ وهذا قاله لما قيل له ادع على المشركين يعني لو كنت أدعو عليهم لبعدوا عن رحمة اللّه ولصرت قاطعاً عن الخير إني لم أبعث لهذا‏.‏

- ‏(‏طب عن كريز بن أسامة‏)‏ العامري وقيل ابن سلمة بصري قال الذهبي‏:‏ يقال له صحبة قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول اللّه ادع اللّه على بني عامر فذكره قال الهيثمي‏:‏ وفيه من لم أعرفهم‏.‏

2627 - ‏(‏إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة‏)‏ لمن أراد اللّه إخراجه من الكفر إلى الإيمان أو لأقرب الناس إلى اللّه وإلى رحمته لا لأبعدهم عنها فاللعن مناف لحالي فكيف ألعن قال المظهري‏:‏ وفي هذا الحديث مباحث منها أن معنى قوله رحمة بهدايته للمسلم وتأخير العذاب عن نوع من الكفار وهم أهل الذمة وما عداهم أمر بقتلهم وغنم ما لهم وذا من أشد عذاب الدنيا، وهب أن امتناعه هذا من الدعاء عليهم من جهة العموم فما المانع من جهة الخصوص‏؟‏ ومنها أن طلب الدعاء عليهم لا ينحصر في اللعن فما موقع الجواب بقوله لم أبعث لعاناً ومنها أن لعن الكفار جائز وقد لعن اللّه الكافرين والظالمين وفي البخاري أنه دعا على قريش انتهى‏.‏

- ‏(‏خد م عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2628 - ‏(‏إني لأمزح‏)‏ أي بالقول وكذا بالفعل وتخصيصه بالأول ليس عليه معول ‏(‏ولا أقول إلا حقاً‏)‏ لعصمتي عن الزلل في القول والعمل وذلك كقوله لامرأة زوجك في عينه بياض وقوله في أخرى لا يدخل الجنة عجوز وقوله لأخرى لأحملنك على ولد الناقة وقيل لابن عيينة المزاح سبة فقال‏:‏ بل سنة ولكن من يحسنه وإنما كان يمزح لأن الناس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه فلو ترك اللطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة والعناء فمزح ليمزحوا ولا يناقض ذلك خبر ما أنا من دد ولا الدد مني فإن الدد اللهو والباطل وهو كان إذا مزح لا يقول إلا حقاً فمن زعم تناقض الحديثين من الفرق الزائغة فقد افترى وقال الماوردي‏:‏ العاقل يتوخى بمزاحه أحد حالين لا ثالث لهما أحدهما إيناس المصاحبين والتودد إلى المخالطين وهذا يكون بما أنس من جميل القول وبسط من مستحسن الفعل كما قال حكيم لابنه‏:‏ يا بني اقتصد في مزاحك فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء والتقصير فيه نقص بالمؤانسين وتوحش بالمخالطين والثاني أن ينبغي من المزاح ما طرأ عليه وحدث به من هم وقد قيل لا بد للمصدور أن ينفث ومزاح النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يخرج عن ذلك وأتى رجل علياً كرم اللّه وجهه فقال‏:‏ احتلمت بأبي قال‏:‏ أقيموه في الشمس واضربوا ظله الحد أما مزاح يفضي إلى خلاعة أو يفضي إلى سبة فهجنة ومذمة قال ابن عربي‏:‏ ولا يستعمل المزاح أيضاً في أحكام الدين فإنه جهل قال تعالى مخبراً عن قصة البقرة ‏{‏إن اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين‏}‏ قال معناه لا أمزح في أحكام الدين فإن ذلك فعل الجاهلين ولكن اذبحوها فستروا الحقيقة فيها‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا في الصغير ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ‏(‏خط عن أنس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ إسناد الطبراني حسن انتهى وإنما لم يصح لأن فيه الحسن بن محمد بن عنبر ضعفه ابن قانع وغيره وقال ابن عدي‏:‏ حدث بأحاديث أنكرتها عليه منها هذا‏.‏

‏[‏ص 14‏]‏ 2629 - ‏(‏إني وإن داعبتكم‏)‏ أي لاطفتكم بالقول ‏(‏فلا أقول إلا حقاً‏)‏ قاله لما قالوا له‏:‏ إنك تداعبنا يا رسول اللّه والمداعبة مطلوبة محبوبة لكن في مواطن مخصوصة فليس في كل آن يصلح المزاح ولا في كل وقت يحسن الجد قال‏:‏

أهازل حيث الهزل يحسن بالفتى * وإني إذا جد الرجال لذو جد

وقال الراغب‏:‏ المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء وتركه يقبض المؤانس ويوحش المخالط لكن الاقتصاد منه صعب جداً لا يكاد يوقف عليه ولذلك يخرج عنه أكثر الحكماء حيث قيل المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء فحل لا ينتج إلا الشر‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ وحسنه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال الهيثمي‏:‏ إسناد أحمد حسن‏.‏

2630 - ‏(‏إني لأعطي رجالاً‏)‏ مفعوله الثاني محذوف أي الشيء ‏(‏وأدع‏)‏ أي والحال أني أترك ‏(‏من هو أحب إليّ منهم‏)‏ أي أولى بالإعطاء منه ‏(‏لا أعطيه شيئاً‏)‏ من الفيء ونحوه ‏(‏مخافة‏)‏ مفعول لقوله أعطي أي لأجل مخافة ‏(‏أن يكبوا‏)‏ بضم أوله وفتح الكاف ‏(‏في النار‏)‏ أي يقلبوا منكوسين فيها والكب الإلقاء على الوجه فقوله ‏(‏على وجوههم‏)‏ تأكيد يعني أعطي بعضاً لعلمي بضعف إيمانه حتى لو لم أعطه لأعرض عن الحق وسقط في النار على وجهه وأترك بعضاً في القسمة لعلمي بكمال إيمانه ورضاه بفعلي فمن المؤلفة الذين لم يصل نور الإيمان لقلوبهم وإنما كانوا عبيد الدرهم والدينار وكان يعطيهم الأقرع بن حابس وعيينة وابن مرداس وأبو سفيان ويزيد ابنه وفي شرح الأحكام لعبد الحق أن أخاه معاوية منهم حكاه المقدسي وغيره من علماء الآثار كذا قال وفيه حل الإعطاء لمن لم يتمكن الإسلام من قلبه وأن للإمام تمييز البعض لمصلحة وأنه يقدم الأهم فالأهم وفيه جواز الشفاعة إلى ولاة الأمور ومراجعة المشفوع إليه إذا لم يؤد إلى مفسدة والأمر بالتثبت وأن المشفوع إليه لا يعاب إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة وأنه ينبغي أن يعتذر للشافع ويبين له عذره في ردها وأنه لا يقطع بالجنة لأحد على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعشرون وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به اعتقاد بالقلب‏.‏

- ‏(‏حم ن عن سعيد‏)‏ بن أبي وقاص قال‏:‏ قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسماً فقلت‏:‏ يا رسول اللّه أعط فلاناً فإنه مؤمن فقال‏:‏ أو مسلم‏؟‏ أقولها ثلاثاً ويرددها علي ثلاثاً أو مسلم ثم قال‏:‏ إني أعطي إلخ وهذا الحديث رواه مسلم عن سعد بلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه اللّه في النار وبلفظ إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه اللّه في النار على وجهه فكان العزو لمسلم أولى‏.‏

2631 - ‏(‏إني تارك فيكم‏)‏ بعد وفاتي ‏(‏خليفتين‏)‏ زاد في رواية أحدهما أكبر من الآخر وفي رواية بدل خليفتين ثقلين سماهما به لعظم شأنهما ‏(‏كتاب اللّه‏)‏ القرآن ‏(‏حبل‏)‏ أي هو حبل ‏(‏ممدود ما بين السماء والأرض‏)‏ قيل أراد به عهده وقيل السبب الموصل إلى رضاه ‏(‏وعترتي‏)‏ بمثناة فوقية ‏(‏أهل بيتي‏)‏ تفصيل بعد إجمال بدلاً أو بياناً وهم أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وقيل من حرمت عليه الزكاة ورجحه القرطبي يعني إن ائتمرتم بأوامر كتابه وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي عترتي واقتديتم بسيرتهم اهتديتم فلم تضلوا قال القرطبي‏:‏ وهذه الوصية وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله وإبرارهم وتوقيرهم ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وبأنهم جزء منه فإنهم أصوله التي نشأ عنها ‏[‏ص 15‏]‏ وفروعه التي نشأوا عنه كما قال‏:‏ ‏"‏فاطمة بضعة مني‏"‏ ومع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة والعقوق فسفكوا من أهل البيت دماءهم وسبوا نساءهم وأسروا صغارهم وخربوا ديارهم وجحدوا شرفهم وفضلهم واستباحوا سبهم ولعنهم فخالفوا المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في وصيته وقابلوه بنقيض مقصوده وأمنيته فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه ‏(‏وإنهما‏)‏ أي والحال أنهما وفي رواية أن اللطيف أخبرني أنهما ‏(‏لن يفترقا‏)‏ أي الكتاب والعترة أي يستمرا متلازمين ‏(‏حتى يردا على الحوض‏)‏ أي الكوثر يوم القيامة زاد في رواية كهاتين وأشار بأصبعيه وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهما واستمساك بهما في الدين أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته قال الحكيم‏:‏ والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائناً ما كان ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد والتنويه برفعة قدره‏.‏